عذرا سيّدي الرئيس.. إرتكبت أخطاءً ''قاسمة'' لا تحتاج إلى مجهر.. ولا تغتفر !
حجم الخط
سيدي الرئيس، "استسمحك عذرا"،أن تتقبل نقد الشعب الذي تحكم، الشعب الذي أوصلك إلى كرسي يأبى أن يتسلل إلى خيال من لا ماضي له في عالم السياسية. تقبل نقدنا برحابة صدر لا بامتعاض كبير كالذي بدا على ملامحك في أول حوار متلفز لسيادتم.
سيدي الرئيس، في زمن الوعي الحقيقي والوعي المزيف والوعي المسلعن الشعاراتي، قد تكون فعلا إرتكبت أخطاءً مجهرية في قصرك، في بيتك، وفي حياتك اليومية، ومن الطبيعي أن يرتكبها كل عاقل لخالقه اسـ99ـما، فلا سيادتكم سيدي الرئيس صاحب الاسم الأعظم كي لا تخطئ ولا شعبك يلومك على الخطأ والخطايا.
سيدي الرئيس، بلغة الأرقام التي لا تحبها، أو لنقل لا تفضلها، لقد إرتكبت أخطاء لا تحتاج لا إلى مجهر كي نراها ولا إلى تليسكوب كي نبصرها، فهي أوضح من الشمس الحارقة في قلب الظهيرة، وسنذكر منها خمسة أخطاء تهمنا نحن كشعب حالم لأنها تؤثر في حاضرنا ومستقبلنا.
الديـــــوان الرئــــاســـي
سيدي الرئيس، لا أحد من الشعب الذي انتخبك والذي لم ينتخب، بإمكانه التدخل في اختيار الفريق الذي يشكل ديوانك الرئاسي، فالحرية المطلقة في ذلك تعود لسيادتك. لن نذكر كيف تسربت قائمة الفريق للمواقع الإلكترونية قبل الإعلان عنها بساعات من الاعلان الرسمي فنحن ننزه محيطك من التسريبات، لكن الفريق الذي اخترت كان منذ اليوم الأول في مرمى التساؤلات؛ لماذا اختار رئس الدولة سفيرا يباشر مهامه رئيسا للديوان ولمدة محددة لا تتجاوز الثلاثة أشهر! لماذا لا يريد الرئيس أن يكون له ديوانا مستقرا تعود مردوديته بالنفع على البلاد! لماذا لا يريد رئيس الدولة أن يكون له فريقا متجانسا!.
سيدي الرئيس، نحن لم نبحث بالمجهر عن تبعات منهجيتك في اختيار الأعضاء، فهي التي تبحث عنا، نفتح هواتفنا، شاشات تلفزاتنا، نتصفح جرائدنا فنجد خبر استقالة مستشارك الأول، يليه خبر تكذيب الاستقالة فتأتي بعده استقالة رسمية بعد أيام قليلة من انتهاء عهدة مدير الديوان. والأمر لا ينتهي هنا؛ تصريحات وتصريحات مضادة من المستشار المستقيل والمستشارة المباشرة المكلفة بالإعلام، تصريحات تحمل تلميحات لتهم متبادلة. هذا حدث فقط في ثلاثة أشهر الحكم.
سيدي الرئيس، الشعب الذي يريد، يريد ديوانا متماسكا مستقرا، لا يريد لخبطة تصريحات واتهامات ولا يريد بلاغات تحذف ويتغير محتواها. الشعب يريد ديوانا ناجعا سيدي الرئيس.
مؤتمر برلين
سيدي الرئيس، يوم 18 جانفي الماضي، أعلنتم رفضكم المشاركة في مؤتمر برلين وعللتم قراركم بورود الدعوة الألمانية بصفة متأخرة، وأكدتم في بيان غير مسبوق أن تونس "قد تضطرّ إلى اتخاذ كافة الإجراءات الحدودية الاستثنائية المناسبة لتأمين حدودها وحماية أمنها القومي أمام أيّ تصعيد محتمل للأزمة في ليبيا".
قراركم سيدي الرئيس قد نتفهمه إن كانت الحجج مقنعة، لكنه قد يعصف بعلاقة الشراكة الاستراتيجية التي تربط تونس بألمانيا.
سيدي الرئيس، قد تتفهم السلطات الألمانية الغضب الرسمي التونسي، لكن هل ستسمح ألمانيا مستقبلا بمواقف أخرى على هذه الشاكلة! وهل لتونس القدرة على تحمل تبعات عزل نفسها عن هذه المؤتمرات الدولية سيما وأن تونس لم تسجل حضورها في ذات الشهر في مؤتمر دافوس لاول مرّة منذ سنوات!.
سيدي الرئيس، موقفكم الواضح بشأن اتخاذ الإجراءات الاستثنائية لحماية الحدود مع ليبيا في ذات البلاغ الرافض لمؤتمر برلين، كان رسالة مباشرة للأطراف المجتمعة في ألمانيا، لكن أعذرني سيدي الرئيس بتذكيرك بأننا نحمي حدودنا بفضل مساعدات تلقيانها من ألمانيا التي رفضنا دعوتها! ألمانيا هي التي منحتنا قبل سنتين مساعدات تقنية بقيمة 34 مليون يورو لتأمين الحدود مع ليبيا بأنظمة رادار متحركة وكاميرات واسعة المجال وبأجهزة مراقبة إلكترونية مثبتة ومراكز مراقبة جديدة!
منتدى دافــوس
سيدي الرئيس، ليس ببعيد عن ألمانيا مكانا ولا عن موعد مؤتمر برلين زمانا، انعقد المنتدى الاقتصادي العالمي بمنتجع دافوس بسويسرا، وشارك فيه نحو 3000 شخص، ثلثهم تقريباً من قطاع المال الأعمال، وفي الوقت الذي تبرز فيه حاجة تونس الملحة لدعم مالي خارجي وللاستثمارات الخارجية لدفع عجلة الاقتصاد المتعثر، اخترتم المقاطعة وعزل تونس عن المنتدى العالمي الذي قد يعود بالنفع على البلاد لأول مرة منذ سنوات. قد لا يعد هذا خطأ منكم، لكن تونس التي في حاجة إى دعم مالي دولي، أضاعت فرصة التواجد في موعد سنوي يتم فيه عقد التفاهمات التجارية والمالية.
تكليف إلياس الفخفاخ
عند عودة التكليف لاختيار رئيس الحكومة، توقع التونسيون أن تختار اسما من الذين يحظون بأغلبية برلمانية مريحة تسمح بمرور حكومته بسلاسة دون خلق أزمة سياسية تنظاف إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. لكنك سيدي الرئيس اخترت طريق الأزمة وبررت قرارك بالتأكيد على انك اخترت من تراه منسجما مع الأغلبية!. لا نعلم من هي الأغلبية التي تقصد، فالفخفاح لم يرشحه سوى حزب واحد ولم يكن مرشح الحزبين الأولين في البرلمان. كمل قلتم أنكم اخترتم الاكفأ وفسرتم ذلك بأن الكفاءة لا تقاس بالشهائد العلمية في حين أن الدستور لا يتحدث عن الكفاءة مطلقا وإنما عن القدرة أي الأقدر على تشكيل حكومة وليس عن الأكفأ وشتان بين القدرة والكفاءة. لقد أخطأتم في الإختيار سيدي الرئيس، فالذي يريد إخراج البلاد من عنق الزجاجة والمرور نحو الإنجاز، يهيء كل ظروف النجاح لا أن يختار من لا يتمتع بسند ضعيف. كما لم نفهم تنصلكم من مسؤولية الحكومة التي ستتشكل عندما قلتم أنها لن تكون حكومة الرئيس وانتم من فرضتم على المكلف تعهدات عبّرت عنها ولم تكشف عن مضمونها لكنها واضحة "على رؤوس الملأ".
سيدي الرئيس، رئيس الجمهورية يكون رئيسا لكل المواطنين لا رئيس ناخبيه فقط، اخترتم اقصاء مليون مواطن لم ينتخبكم، وأدخلتم الزمن الانتخابي في الزمن الحكومي، عوض التجميع فضلتم التشتيت، عوض الوحدة الوطنية ذهبتم في الوحدة السياسوية، رفعتم عناوين محاربة الفساد وكلفتم المرشح الذي قدمه حزب رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي تلاحقه 17 قضية تتعلق كلها بشبهات فساد! سيدي الرئيس ستتحمل وحدك، وحدك فقط، مسؤولية كل تبعات المسار السياسي الذي ذهبت فيه البلاد.
صفقة القرن والكرسي الشاغر
استبشرنا بعضوية تونس غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي منذ مطلع العام الجاري، لكننا استفقنا صباح الجمعة، على خبر الترحيل المفاجئ والسريع لمندوب تونس الدائم لدى الأمم المتحدة المنصف البعتي وإنهاء مهامه.
سيدي الرئيس، المسؤول الأول عن السياسة الخارجية التونسية، أرجعتم قراركم المفاجئ
"لاعتبارات مهنية بحتة تتعلق بضعف الأداء وغياب التنسيق والتفاعل مع الوزارة في مسائل هامة مطروحة للبحث في المنتظم الأممي"، لكن أكثر من وسيلة إعلام عالمية نقلت تصريحات عن مصادر بالأمم المتحدة، كلها تصريحات متطابقة وتؤكد أن البعتي أُقيل بعد ضغوط أميركية على تونس بسبب مشروع قرار وزعه البعتي ومندوب إندونيسيا بمجلس الأمن رفضا لصفقة القرن.
كما أنه تم وضع حد لمهام البعتي بسبب موقفه من مشروع قرار فلسطيني يدين خطة السلام الأميركية، و أنه ذهب أبعد مما أرادت السلطات التونسية في ملف الشرق الأوسط، وقدم دعما كبيرا للفلسطينيين يهدد بإفساد العلاقات بين تونس والولايات المتحدة.
سيدي الرئيس الرافض للتطبيع مهما كانت أشكاله، لقد أخطأت خطأ كبيرا، مهما كان "جرم" البعتي، فإنه اتخد موقفا ثوريا ينسجم مع تصريحاتكم المتكررة حول القضية الفسطينية وتصريحات رؤساء الدول تعتبر مواقف رسمية. إن كان قرار الإعفاء سياديا بالأساس ولم يكن بعد ضغوطات أمريكية، لماذا كل هذا التسرع في الإعفاء! من سيمثل كل الدول العربية في مجلس الأمن الأسبوع القادم! لماذا لم تنتظروا مرور جلسة النظر في المشروع الأمريكي قم تتخذون ما ترونه مناسبا! هل تعلم سيدي الرئيس أن دبلوماسيين بالأمم المتحدة كانوا ضمن الحاضرين في جلسة الخميس الماضي التي حضرها البعتي واعلن خلالها أنه سيتم ترحيله في ذات اليوم، وصفوا بلاغ الخارجية التونسية بـ "المزحة"!. ها تعلم أن قراركم وبلاغكم لم يعد لتونس مصداقية!
سيدي الرئيس، كي لا نطيل عليكم، الاخطاء التي سُجلت في دفتر حكمكم كثيرة، تقبل منا هذا النزر القليل دون تحليل ولا تفصيل. إلى نقد لاحق.